صندوق بريد للبلاغات

الطاهر الطويل

يصرّ التلفزيون الرسمي في المغرب، حاليا وأكثر من أي وقت مضى، على تكريس نظرة أحادية لمستجدات الساحة الاجتماعية والسياسية والحقوقية المحلية، بعيدا عن الحياد والموضوعية المطلوبين، إنها نظرة المؤسسة الرسمية وروايتها الخاصة للأمور. ومن ثم، يقع تغييب مختلف جوانب الصورة التي بدونها تبقى الحقيقة مطلبا بعيد المنال بالنسبة للمشاهد المغربي، فيتجه للبحث عنها إما في وسائل إعلام أجنبية، أو في المواقع الإلكترونية التي يختلط فيها الحابل بالنابل.
مَن يتابع نشرات الأخبار التلفزيونية، هذه الأيام، يجدها تعج بالبلاغات الرسمية المغلفة بتعابير سلطوية مرعبة، تنبئ بمأزق حقيقي على مستوى الحريات العامة، وبعودة التحكم الذي كان يُعتقد أن المغرب قطع معه منذ حوالي عقدين من الزمن.
وكمثال على ذلك، حرص التلفزيون المغربي على بث بلاغات لوزارة الداخلية وعمالة (محافظة) جرادة في شأن الحراك الاجتماعي الذي تشهده تلك المدينة المتاخمة للحدود مع الجزائر، إذ تكتفي نشرات الأخبار بتقديم البلاغات بصيغة جافة ومجردة، دون نقل الصورة كما هي على الساحة وإعطاء الكلمة لناشطي الحراك. ويُستفاد من تلك البلاغات أن السلطة لجأت إلى منع التظاهر في الشوارع والساحات بحجة مخالفته للقانون وأيضا بحجة أن الحكومة تفاعلت إيجابا مع مطالب السكان المشروعة. ونتج عن ذلك المنع قيام بعض المتظاهرين بإلحاق إصابات بليغة بعدد من رجال الأمن وإحراق سيارات تابعة لهم. ولم يقدّم التلفزيون أي تقرير من عين المكان، يوضح المشهد كاملا بالصورة والصوت. بالطبع، هذا لا يعني مطلقا التشكيك في الرواية الرسمية، ولكنّ التعامل الإعلامي المهني يقتضي أيضا تصوير ما حصل للمتظاهرين ونقل روايتهم الخاصة للأحداث ولأسباب الاستمرار في التظاهر رغم التطمينات الحكومية، خاصة وأن وقائع سابقة أثبتت أنه لا يمكن الاطمئنان لمسؤولين قادرين على خذلان ثقة الملك وثقة الشعب فيهم، مثلما وقع في إقليم الحسيمة، حيث تعطلت مشاريع التنمية، مما أدى إلى اندلاع الحراك الاجتماعي السلمي، منذ أكثر من سنة.
أما المثال الثاني فيتجلى في الكيفية التي يغطي بها التلفزيون المحاكمات الجارية لمعتقلي حراك الحسيمة، حيث يكتفي بتقديم أخبار جافة إما عن سير الجلسات أو عن الأحكام القضائية، مستبعدا إعطاء الكلمة للمحامين وكذلك إبراز خلفيات تلك المحاكمات، ومن ثم يبقى الخبر ناقصا وباردا وغير موضوعي.
والمثال الثالث، يتعلق بقضية الصحافي توفيق بوعشرين (مدير صحيفة «أخبار اليوم المغربية»)، قضية غاب فيها ـ هي أيضا ـ التعامل الإعلامي المهني المطلوب، حيث انخرط التلفزيون في ما يشبه «تجريم» الشخص المذكور، من خلال الاقتصار على سرد بلاغ النيابة العامة التي يتحدث عن تهم ثقيلة، تتمثل في الاستغلال الجنسي والتهديد بالتشهير بالضحايا والاتجار بالبشر. وعمد القائمون على التلفزيون إلى تغييب القاعدة القانونية المتمثلة في أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، متجاهلين أن الأمر يتعلق بمتهم مقدم إلى المحكمة، ولم تصدر فيه بعد أية أحكام نهائية، فالقضاء المستقل النزيه هو الذي سيوضح للناس إنْ كان بوعشرين بريئا أم مذنبا. أما الطريقة التي قُدّم بها بلاغ النيابة العامة عبر التلفزيون فهي أقرب ما تكون إلى الإدانة المسبقة للشخص الموقوف والتشهير به والإساءة إليه وإلى أسرته، حيث غاب التوازن المطلوب الذي كان من المفترض أن يقدّمه أحد محاميي الصحافي المذكور.
وإذا كان ذلك السلوك غير المهني مفهوما في مواقع همّها الإثارة وتصفية الحسابات الشخصية و»أكل الثوم» نيابة عن الأطراف التي تسخرها لذلك (على ما يبدو)، فإنه ليس مقبولا في تلفزيون يُموَّل بواسطة المال العمومي، ومن المفترض فيه أن يقدم خدمة عمومية دون الانحياز لهذا الطرف أو ذلك.
تفيد أدبيات الصحافة أن البلاغ ليس خبرا محضا، وإنما رواية لوقائع من وجهة نظر الجهة التي صاغته. فهل صارت نشرات الأخبار في التلفزيون الرسمي المغربي أشبه ما تكون بصندوق بريد والحالة هذه؟

مفتي يستفتي قلبه عن عذاب القبر!

سبحان مبدل الأحوال! كيف تحوّل مفتي سلفي متشدد، دخل السجن بتهمة التحريض على الإرهاب قبل أن يغادره بعفو ملكي، إلى مفتي عصري يساير موضة «الإسلام لايت»؟ يتعلق الأمر بـ«الداعية» محمد عبد الوهاب رفيقي المعروف باللقب (الحركي) السابق «أبي حفص المغربي» الذي ودّع لحيته وجلبابه وعمامته، وارتدى لباسا عصريا، ثم راح يبحث عن إثارة الانتباه بتصريحاته الغريبة والمثيرة للجدل. آخرها ما أطلقه عبر برنامج «استفت قلبك» في قناة «تيلي ماروك»، حيث اعتبر الحديث عن عذاب القبر في الإسلام مجرد خرافة من الخرافات وأسطورة من الأساطير التي صدقها الناس، وهو ما جلب عليه وابلا من التعليقات والردود، بعضها معتدل والبعض الآخر متشنج وساخط.
والواقع أن مثل هذه الموضوعات الغيبية مجرد وسيلة لإنهاء الناس وتحريف النقاش عن القضايا التي تهم المواطنين في معيشهم اليومي. فهل بإمكان الداعية المذكور أن «يستفتي قلبه» حول قضايا الظلم الاجتماعي والخلل الحقوقي وسياسة تفقير الشعب واحتكار الثروات وغيرها من مظاهر الفساد؟

القطار السريع والتنمية المتأخرة!

منذ ثلاثة أيام، تحدث مدير عام سكة الحديد المغربي عن القطار فائق السرعة، وقال عبر التلفزيون: إننا نعمل «ليل نهار» من أجل أن ينطلق القطار في أقرب وقت ممكن… ولم يحدد مَن يعمل حقيقة ليل نهار. هل هو؟ أم هم التقنيون والمهندسون والعمّال الذين يصادفهم ركاب القطارات العادية باستمرار في المحطات وعلى طول السكة بين طنجة والدار البيضاء؟
على كل حال. سينطلق القطار فائق السرعة بعد عدة شهور… طال الزمن أم قصر. وستقيم له الإذاعات والتلفزيونات والمواقع الرسمية كرنفالا باذخا، كدأبها في مثل تلك المناسبات. ولكن قطار التنمية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص سيبقى متأخرا جدا. لا تستغرب، إنك في المغرب!

(نشر بتاريخ 16 مايو 2018)

ذات صلة